معرض العراق الدولي للكتاب.. رسالة أمل

معرض العراق الدولي للكتاب.. رسالة أمل

  • 1017
  • 2020/12/13 08:16:52 م
  • 0

 طه جزاع

1

اتيحت لي في أعوام مضت، فرص حضور معارض عربية مهمة للكتاب، منها معرض الشارقة الدولي لأربع دورات، ومعرض أبو ظبي الدولي لدورتين، وقبلهما بعقدين من السنين، معرض القاهرة الدولي.

وبسبب حضوري المتكرر في أعوام متتالية لمعرض الشارقة الدولي، وهو من المعارض التي تبوأت في الدورات الأخيرة مكانة عالمية مرموقة، وله تاريخ طويل يصل إلى ما يقرب من 40 عاماً – اقيمت دورته الأولى عام 1982 – فقد اتخذت من هذا المعرض مقياساً تقريبياً، للحكم على معرض الكتاب العراقي، المقام حالياً على أرض المعارض في بغداد، وفي ظل ظروف تهديد وباء كورونا، وما يمثله ذلك من تحدٍ يقترب من المغامرة للجهة المنظمة للمعرض .

11

بلغ معرض الشارقة الدولي للكتاب في دوراته الاخيرة، مرحلة من التنظيم، وحجم المشاركات الدولية، وتعدد الفعاليات، وارقام الكتب والمبيعات، وجودة الخدمات المقدمة لوسائل الصحافة والاعلام وعموم الضيوف والزائرين، ونوعية ضيوف الشرف، أمثال الروائي العالمي دان براون ضيف شرف دورة 2014، – أحياناً يكون ضيف الشرف دولة يمثلها رجالها واعلامها، كما حدث في دورة عام 2012 الذي حلت فيه مصر كضيف شرف، ممثلة بوزير الخارجية الأسبق أحمد ابو الغيط، والاعلامي حمدي قنديل، والممثلين عادل امام ويحيى الفخراني، و50 كاتباً مصرياً – ما جعل الكثير من الكتاب والناشرين والمنظمين، يعدونه المعرض الرابع أو الثالث على المستوى العالمي، بعد معرض فرانكفورت في المانيا، ومعرض لندن .

وفي هذا التقييم، الذي يعتمد على عوامل ومقاييس عديدة للجودة، يكون معرض الشارقة قد نافس معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يعود تاريخه لأكثر من نصف قرن، ولم تتوقف دورات انعقاده إلا مرة واحدة بسبب أحداث ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 حين اضطرت اللجنة المنظمة إلى تقليص أنشطته وفعالياته .

وبسبب جائحة كورونا تم تأجيل اقامته للعام الحالي 2020، إلى يونيو/ حزيران من العام المقبل. 

وقد أصبحت تجربة معرض الشارقة الناجحة والمتصاعدة في كل دورة من دوراته، حتى الدورة الأخيرة التي أقيمت قبل شهر تقريباً في ظل جائحة كورونا، من التجارب المُلهمة والمحفزة على المستوى العربي والاقليمي. وقدرت الشارقة ظروف انعقاد هذه الدورة، وتداعيات جائحة كورونا التي أثرت سلباً على الفعاليات والزيارات والمبيعات، فصدر توجيه من حاكمها بإعفاء جميع دور النشر المشاركة من رسوم ايجارات الأجنحة لهذه الدورة .

111

منذ العام 1949 اقيم معرض فرانكفورت العالمي للكتاب، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واندحار النازية، ليمثل رداً ثقافياً وبداية تشكل مفهوم جديد للثقافة القائمة على أنقاض النظام الشمولي النازي، والمناهضة لأفكاره ومنطلقاته. كما يمثل الوجه الجديد لألمانيا الغربية - قبل توحيد الألمانيتين الغربية والشرقية وسقوط جدار برلين عام 1989 -. وبمرور السنين، أصبح معرض فرانكفورت من أشهر معارض الكتب العالمية الكبرى، إن لم يكن أولها بلا منازع .

رفض المنظمون لمعرض فرانكفورت تأجيل دورة 2020، فأقاموها دورة استثنائية افتراضية إلكترونية، تابعها المهتمون من كل أرجاء العالم .

ما الداعي لهذا الاصرار على اقامة دورة افتراضية، لم لا تؤجل إلى العام المقبل، على غرار معرض لندن، والقاهرة، والدوحة وغيرها من المعارض العالمية؟.

يقولون لك: نريد لهذه الدورة الافتراضية أن تكون رسالة أمل لعشاق الأدب، ولصانعي الكتاب وناشريه، في وقت عصيب يعيشه العالم بأسره .

الأمر لم يكن كذلك، لمنظمي معرض لندن الذي يعود تاريخه لخمسين عاماً تقريباً، والذي كان مقرراً لدورته أن تعقد خلال مارس/ آذار الماضي فأعلنوا عن الغاء دورة الكتاب لعام 2020 بسبب كورونا .

وكذلك قرر منظمو عدد من المعارض العالمية للكتاب، مثل معارض باريس ولايبزغ وطهران، الغاء دورة عام 2020، أو تأجيل انعقادها إلى العام المقبل .

1111 

لبغداد تجارب سابقة في اقامة معارض الكتب العالمية قبل سنوات الحصار الطويل الذي تعرض له العراق عام 1990، وبحظوظ متفاوتة من النجاح في التنظيم والاعداد وسعة المشاركة والاقبال والتسويق، وضمن رقابة مؤكدة على عناوين الكتب ومضامينها ومؤلفيها، ناهيك عن "معرض بغداد العفوي الدائمي للكتاب "أيام الجُمع في شارع المتنبي" . ويأتي معرض العراق الدولي للكتاب "دورة مظفر النواب"، المقام حالياً على أرض معرض بغداد، ليختتم عام 2020 برسالة أمل – على غرار معرض فرانكفورت الافتراضي – لكنها هنا رسالة واقعية وحقيقية وليست افتراضية .

المعرض الذي تشارك فيه 300 دار نشر عراقية وعربية – ووكالات دور نشر أجنبية من 21 دولة، وبما يقرب من مليون عنوان، تميز عن كل المعارض التي شهدتها بغداد خلال السنوات الأخيرة، سواء من ناحية التنظيم الراقي، والديكورات والرسوم والتصاميم الجميلة، وتنوع الخدمات، والمنهاج اليومي الذي يتضمن العديد من الأنشطة، مثل عرض افلام قصيرة، وضيوف لمناقشة أحد الأفلام المهمة، مثل -الحارس في حقل الشوفان -، ومقطوعات موسيقية، ولقاء مع الجمهور، وقراءات شعرية، وجلسات حوارية، وثقافية وفنية، وندوات مجتمعية، وأخرى تناقش موضوعات مهمة - مثل قانون جرائم المعلوماتية، والأزمة الاقتصادية ومتطلبات الاصلاح، ودور المنظمات المدنية في تعزيز الهوية الوطنية، ودمج التعليم الإلكتروني في التعليم العالي خلال جائحة كورونا- وغيرها من موضوعات الساعة المهمة، والاحتفاء بشعراء وفنانين كبار أمثال جميل صدقي الزهاوي، وجواد سليم، وغائب طعمة فرمان. وهناك الكثير من الأنشطة الأخرى التي تسهم في تعزيز نجاح المعرض .

جاء توزيع المعرض على عدة قاعات مناسباً للشروط الصحية الاحترازية التي وضعتها خلية الأزمة من أجل التصدي لمخاطر فايروس COVID – 19، شاهدنا ذلك في توزيع دور النشر على القاعات الخمس كل ضمن دولته، العراق، مصر، لبنان، الخليج والمغرب العربي، سوريا والأردن، فضلاً عن القاعة المركزية التي تضم أجنحة الوزارات والمؤسسات الرسمية والجمعيات الحرفية والفنية، كما توزعت في بداية دخول كل قاعة أجهزة تعقيم بخارية يمر من خلالها زوار المعرض قبل دخولهم القاعة، مع التأكيد على ارتداء الكمامة في كل أماكن المعرض من خلال اللوحات الإرشادية، أو تنبيهات شباب متطوعين، ويستدل الزائر على البلد من اسم القاعة أو من خلال فكرة الرسوم الرائعة التي تمثل أبرز أعلام ذلك البلد من الشخصيات الفكرية والثقافية والأدبية والفنية، كما يستدل على دور النشر من خلال خريطة المعرض، مثلما يستدل على كتابه من خلال مكاتب السكرتارية عند دخول كل قاعة، وهنا أيضاً يوزع الملحق اليومي الذي يصدر عن مؤسسة المدى لتغطية فعاليات المهرجان المتنوعة، عوضاً عن اللقاءات مع المشاركين والجمهور، والآراء التي تتغنى بمحبة الكتاب في اعمدة صحفية تحمل عناوين "في محبة الكتب" و"رائحة الكتب"، كما يقدم الملحق منهاج الفعاليات وأماكنها وتوقيتاتها وموضوعاتها والمشاركين فيها يوماً بيوم .

وفي الجانب الخدمي وفرت ادارة المعرض بالتنسيق مع الشركة العامة للمعارض، عربات كهربائية لنقل الزوار الذين يحتاجون خدماتها من بداية دخولهم بوابات المعرض ولغاية قاعات العرض، كما قامت الشركة بتشغيل النافورات المائية، وتقديم خدمات أخرى للزائرين، وهناك عربات بإمكان المواطن استخدامها لنقل الكتب من القاعات حتى البوابات الرئيسة، إلى جانب الكراسي الطبية المتحركة، المخصصة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة .

شارع المتنبي أيضاً، كان حاضراً باسمه ورسمه وبوابته وباعته، وقد تم تخصيص هذا الشارع للباعة من اعضاء جمعية الناشرين والكتبيين في العراق مجاناً، وبدون دفع رسوم المشاركة في المعرض، وبشرط واحد فقط، هو عدم عرض الكتب المُستنَسخة اطلاقاً. والمقاهي الأدبية البغدادية والكافتيريات التي تقدم الوجبات الخفيفة والشاي والقهوة وغيرها، انتشرت بمقاعدها وطاولاتها الأنيقة، داخل القاعات وخارجها في الهواء الطلق، لمن يريد الاستراحة من عناء التنقل بين القاعات ودور النشر .

11111

وصلت رسالة الأمل التي حملها معرض العراق الدولي للكتاب، بجهود الجهة المنظمة، والجهات الراعية الرئيسة والمساندة من وزارات وشركات وبنوك ومصارف وجامعات وقنوات فضائية، على الرغم من ملاحظات سجلها زملاء من الاساتذة والمثقفين بخصوص نقص الكتب في عدد من التخصصات مثل كتب الاعلام والاتصالات، وأيضاً بخصوص أسعار الكتب العالية عند بعض دور النشر العربية، وبائع الكتاب يقرأ للزبون سعر الكتاب بالدولار، ويحتسبه بالدينار العراقي، أي كل دولار مقابل الف دينار، فتبدو العملية ظاهرياً وكأنها تخفيض لسعر الكتاب لصالح الزبون، لكنها في الحقيقة مرهقة لميزانيته المحدودة .

وصلت رسالة بغداد.. رسالة الجمال والذوق الفني الرفيع والعرض الأنيق، كأنها المفاجأة المخبوءة. فقد كان الجميع يعمل بصمت ودونما ضجيج، حتى إذا فُتحت أبواب المعرض تفاجأ زواره بعرض باهر، يقدم لهم رسالة أمل، وهم على أعتاب عام جديد.... ولا حامل للأمل، أبلغ من كتاب.

أعلى