بغداد/ يقين عقيل
عدسة/ محمود رؤوف
استضافت قاعة الخيمة بمعرض العراق الدولي للكتاب ندوة تتحدث عن الشاعر السينمائي (كما كان يحب ان يطلق على نفسه) والمخرج الفرنسي جان رينوار.
ادار الجلسة الأستاذ .علاء المفرجي للحديث عن فيلم ومذكرات رينوار، الكتاب الصادر عن دار المدى بترجمة عباس المفرجي والذي صدر عام 1962 بالفرنسية.
عُرف جان رينوار طوال النصف الأول من القرن العشرين على الأقل بأفلامه الشاعرية ذات خلفيات فكرية حققها في فرنسا، في الولايات المتحدة يعد "الوهم الكبير" و "قواعد اللعبة" بين أهم عشرين فيلماً في تاريخ السينما العالمية.
بدأ رينوار المولود في حي مونمارتر 15 ايلول/سبتمبر من عام 1894 في باريس، بصناعة الأفلام الصامتة قبل أن يدخل الصوت إلى السينما، ممتدا بتجربته إلى الأفلام الملونة، معطيا تجربة شاملة زمنيا كذلك، جعلته أحد أبرز أساتذة نقّاد ومخرجي "الموجة الجديدة" في فرنسا "غودار وتروفو ورفاقهما" والتي ظهرت ارتداداتها على موجات جديدة عدّة في بلدان أخرى. وقبل ذلك بدأت رحلته مع الفنون بأنه أصبح خزافا. ولم تستمر تلك المرحلة طويلا قبل أن يتجه للعمل في السينما.
أنجز رينوار ما يقارب خمسة وثلاثين فيلما، خمسة عشر منها تقريبا استمدت من أعمال روائية، في العام 1926 حقق فيلمه الأول كمخرج وكان عنوانه "فتاة الماء" نجاحا وهو منذ ذلك العام لم يتوقف عن العمل السينمائي، فحقق بعض أهم الأفلام الفرنسية، ثم عمل خلال الحرب العالمية الثانية في السينما الأميركية. وحقق في العام 1951 فيلم "النهر" في الهند، كما حقق العام 1952 فيلم "العربة الذهبية" في ايطاليا، قبل ان يعود الى فرنسا ويعمل فيها من جديد.
وتناول الكتاب تفاصيل مهمة من حياة رينوار مع أبيه مشيرا بوضوح الى حبه وتعلقه بالموديل الجميلة التي خدمت اباه فرسمها وعشقها وهو في آخر سنوات حياته التي عُرفت بأسم كاترين هسلنغ.
وهذا أمر كان تفسيره يبقى دائما عند حدود التخمين، فجاء فيلم عام 2012، ليقول لنا بكل وضوح، إن جان الشاب كان عاشقا لمعشوقة أبيه، وكان يترقب اليوم الذي يستطيع أن "يرثها" فيه.
كان (رينوار) الصغير يشبه الأب من زاويا عدة، منها رغبته في الخلق واكتشاف موهبته الحقيقية وحتى في قلقه الدفين كفنان يتلمس خصوصيته ونظرته إلى العالم. كان رينوار يردد دائما قوله : إن الحياة نسيج من الخيبات.
تُصنف أغلب أفلام رينوار على انها صورة ذاتية مبتكرة بما تزخر به حياته، لقد أراد (رينوار) في ابرز أعماله السينمائية أن يضيء جانبا جديدا من الموضوع الذي يتناوله، فاختار بالرغم من المشاكل التي تعرض لها، أن يكون تجريبيا يفكر بالتخلص من هيمنة الواقعية الفوتوغرافية.
لقد بقي (رينوار) مأخوذا بفكرة خلق شعرية سينمائية خاصة به، أصبحت فيما بعد اتجاها معروفا في السينما الفرنسية له اتباعه، مثل الموجة الجديدة في نهاية الخمسينيات، أعاد قراءة الرؤية الجمالية والغنائية في أعمال (رينوار).
ويرى نقاده انه افضل مُشاهد للسينما الفرنسية التي يقول عنها في معرض تشخيصه لابرز سماتها: إنها سينما ذهنية اكثر مما ينبغي.
صور رينوار في أفلامه الحياة والناس والأفكار، فدعانا بأسلوب جمالي خاص إلى احترام المواقف والأحزان والآمال العظيمة لبني البشر.
كانت الحوارات التي تُدار بين الأب اوغست والابن جان في فترة متأخرة من حياة الأب الهمت رينوار في صياغته لسيرة الأب، فكان يقول: "كان أبي يسرد هذه الذكريات على نحوٍ عشوائي، لكني أعتقد أني نجحت في ترتيب الوقائع".
يتحدث السينمائي عن ضجر أبيه من السياسة والحروب والتطور التقني، بالإضافة إلى تناقضاته. ويشير رينوار إلى شغف الأب بتكرار رسم المنظر نفسه لقناعته بأن: كل حدث هو كشف باهر بالنسبة إليه، سواء كان يرسم الفتاة نفسها أو غصن الكرمة نفسه.
لا يكتفي رينوار بسرد سيرته مع ابيه، بل يتحدث أيضاً عن افكاره حول الفن والعمارة وولائة للانطباعية.
لقد رسم أوغست رينوار أجواء تبدو وكأنها مشاهد من أفلام، كما قام جان رينوار برسم لقطات سينمائية تبدو وكأنها لوحات تشكيلية.
مات العام 1979 في بيفرلي هيلز (كاليفورنيا). من أهم اعماله "قواعد اللعبة" و "الحياة لنا" و "نانا" و "فرانش كانكان" و"الكلبة" و "وصية الدكتور كورديلييه" إضافة الى "الوهم الكبير" الذي اكثر فيه بالحديث عن العلاقات الإنسانية، وعن الحروب، وناقش قضايا مثل الوطنية، ومثل القومية، وحرص على بيان زيف مفاهيم كهذه.