• 309
  • 2021/12/16 11:22:06 م
  • 0

 علاء المفرجي

قلنا إن عالم الكتب لم يعد حكرا على المثقفين بل امتد حتى الى اللصوص، ولكن ما بالك بمن يسرق كتابا من أجل حب الكتاب فقط، هؤلاء اسميهم الباذلون والذين يغامرون بكل شيء من أجل ان يحصلوا على الكتاب، وبالتالي من أجل قراءته والاستمتاع به.

ووسطنا الثقافي حافل بمثل هؤلاء (اللصوص)، وهم ليسوا لصوصا بما تعنيه الكلمة من معنى سلبي، بل مغامرون من أجل ان ينتزعوا حقهم في الحصول على الكتاب وقراءته، وتلك لعمري اعظم مغامرة.

سرقة الكتب النادرة أكثر انتشاراً من سرقة اللوحات الفنية. فمعظم اللصوص يسرقون من أجل الربح، لكن جون تشارلز جيلكي يسرق من أجل حب الكتب فقط. في رواية (عاشق الكتب) وفي محاولة لفهمه بشكل أفضل، انغمست الصحافية أليسون هوفر بارتليت في عالم شهوة سرقة الكتاب واكتشفت مدى خطورة ذلك. تندرج رواية «الرجل الذي أحب الكتب كثيراً»، التي صدرت عن دار المدى بعنوان «عاشق الكتب» بترجمة حنان علي، وبمهمة صحافية، ضمن إطار الصحافة الأدبية، وهو النوع الرائج في الولايات المتحدة؛ وهذه الرواية تأتي كاملة بعد نشرها في شكل مجموعة من المقالات، فقد نشرت بارتليت أجزاء تحقيقها الاستقصائي في مجلة «سان فرنسيسكو»، لتقدمه فيما بعد مكتملاً عبر رواية «عاشق الكتب».

تتابع بارتليت حوادث سرقة الكتب التي تبدأها من خلال افتتاح معرض نيويورك للكتب الأثرية، الذي يقام سنوياً، حيث حشود الزائرين المتعطشين للكتب، وضمنها كتب القانون، والطبخ، وكتب الأطفال، وكتب الحرب العالمية الثانية، والمخطوطات؛ سواء أكانت باكورة الطباعة الحديثة أم غيرها، والنصوص الموشحة بالمنمنمات.

جون جيلكي؛ بطل قصة بارتليت، لص كتب مهووس وغير نادم، سرق كتباَ نادرة بقيمة مئات آلاف الدولارات من معارض الكتب والمتاجر والمكتبات في جميع أنحاء البلاد. وكين ساندرز هو الذي نصب نفسه بنفسه (تاجر كتب لديه ميل للعمل التحري) مدفوعاً للقبض عليه. أقامت بارتليت صداقة مع كل من الشخصيات الغريبة، ووجدت نفسها عالقة في وسط جهودها لاستعادة الكنز المخفي، وبمزيج من التشويق والبصيرة والفكاهة، نسجت مطاردة القط والفأر المسلية، فالقصة لا تكشف فقط عن كيفية تنفيذ جيلكي أقذر جرائمه، وكيف أمسك به ساندرز في النهاية، ولكنها تكشف أيضاً «رومانسية الكتب»، وإغراء جمعها وسرقتها، وتكشف لنا الكاتبة عن تاريخ من الشغف بالكتب وجمعها وسرقتها عبر العصور، لفحص الرغبة التي تجعل بعض الناس على استعداد لعمل أي شيء، لامتلاك الكتب التي يحبونها.

وتستخدم بارتليت هذين الرجلين نقطة انطلاق للكيفية التي يتحول بها حب الكتب إلى جنون. فتستعرض لنا قصصاً أخرى، تتراوح بين الرجل «غريب الأطوار» والمختل اجتماعياً؛ من الأستاذ الذي أُجبر على النوم على سرير أطفال في مطبخه لإفساح المجال أمام 90 طناً من كتبه، إلى الراهب الإسباني في القرن التاسع عشر الذي خنق رجلاً وطعن تسعة آخرين من أجل الاستيلاء على مكتباتهم.

صور بارتليت عن هوس الكتب منفذة بشكل دقيق، وغالباً ما تكون رائعة. فليس الأمر أن أفعال جيلكي ليست مثيرة للاهتمام؛ بل ما الذي يجعله يخاطر باستمرار بالسجن من أجل الكتب. حين كان صبياً، كانت أول تجربة لجيكلي الاحتيال على بطاقة ائتمان حصدت له «ساعة وبيتزا وملصقاً لفيلم (سايكو)»، وخلال المقابلات التي أجراها مع بارتليت، تحدث عن السفر الجوي «المجاني» وغرف الفنادق والوجبات. بعبارة أخرى، جيلكي ليس مهووساً بالكتب فقط، بل مصاب بهوس السرقة الذي يدفعه في النهاية إلى سرقة الكتب. وعلى هذا النحو، فهو شخصية صعبة يمكن بناء عمل عن «الهوس الأدبي» حولها.

أعلى