افتتاحية الملحق: في دورته الثالثة.. أمل يُشرع وطموحات تتحقق

افتتاحية الملحق: في دورته الثالثة.. أمل يُشرع وطموحات تتحقق

  • 162
  • 2022/12/08 01:41:13 ص
  • 0

 لاهاي عبد الحسين

تنتصب «المدى» شاهقة بعليائها من ركام التوتر والقلق الذي يسم مرحلة التحول الديموقراطي في العراق لتواصل رسالتها الثقافية من أجل عراق موحد ومتعافٍ. وهي تفعل ذلك عبر قنوات متعددة استحوذ فيها الكتاب على أهمية مستحقة من خلال إقامة معارض الكتب المتنوعة في أكثر من مكان في العراق:

 بغداد وأربيل والبصرة. وغداً ربما تُشمل مدن عراقية أخرى بمثل هذه الفعاليات المهمة التي صارت قِبلة تتطلع إليها الأنظار وفرصة للخوض فيما يُحيي ويلهم، فكرياً وثقافياً. يظهر جانب من رسالة المعرض على الصعيد العام من خلال تتبع حجم الإقبال الاجتماعي الذي يتجسد بزيارة شرائح متنوعة تكونت من جمهور القراء الواسع على وجه العموم إلى جانب شرائح محددة مثل طلبة المدارس والكليات والشباب وحتى العوائل التي وجدت فيه ميداناً للاطلاع والمتعة المجردة وربما توجيه اهتمام الأولاد إلى القراءة والنشاط المجزي معنوياً وأخلاقياً. فقد وفرت معارض الكتب التي تعمل «المدى» عليها، تنظيماً وتعبئة، فرصة لتفاعل عراقي واسع عجزت عن تحقيقه مؤسسات حكومية انشغلت بدوائرها البيروقراطية وانغلاقها وصفقاتها المريبة. هنا في قاعات المعرض وأجنحته المتعددة يلتقي الناس على محبة الكاتب والكتاب وتعقب دور نشر معينة نجحت بكسب الثقة والاعتبار حتى صارت وتداً فيه ودور نشر أخرى جديدة ما فتئت تكسب قراء جدد.

كان ضرورياً والحالة هذه أنْ تختار إدارة المعرض والقائمون عليه اسماً يتوج الدورة الثالثة منه ويمثل امتداداً لما حملته الدورتان السابقتان. اسم يحظى بالاعتراف والإجماع الوطني، يستقطب ويدعو، يعلن ويضيء مما تمثل بالكاتب المفكر والناقد العراقي الأصيل «هادي العلوي» (1932 – 1998). عرف العلوي بمشروع ثقافي فكري متكامل حاول أنْ يجمع فيه مصادر للفكر الغربي والشرقي من خلال التوفيق بين الفلسفة الماركسية بمنهجها المادي الجدلي من جانب، والإسلام باعتباره حضارة وطريق حياة من جانب آخر. وأسهم بذلك إسهامة مهمة بمنتج فكري يعبر عن خاطر الأمة وأزماتها المتواصلة والمتطاولة عبر عقود من الزمن. مشروع يؤسس لفلسفة خاصة بها تقف على قدم وساق مع ما أنتجته أمم العالم من نظم فكرية تعالت على الاكتفاء بأنْ تكون مجرد صدى أو ردة فعل مكتفية بالتلقي والاستجابة والتكيف والتكييف أو ما يسمى أحياناً، توظيف الأفكار. هكذا كان العلوي الذي رحل مبكراً عن عالمنا وهو الذي وصف بالنزاهة المطلقة والترفع والتعلق بالأم التي تركت في نفسه آثاراً وجدت طريقها في نظامه الفكري والسلوكي الحياتي. يذكر أنّ المستشرق الفرنسي جاك بيرك وضع العلوي ضمن أكثر عشرة مفكرين مؤثرين في العالم إلى جانب سارتر، وفوكو، وبرتراند رسل، وسونغ لي وتروتسكي. وبذلك تشرع «المدى» من خلال هذا المعرض بأخذ خطوة متقدمة ضمن مشروع واسع ومفتوح لتنشيط الجهد الثقافي الوطني تعزيزاً لوحدة الوطن وثقة العراقيين بمثقفيهم وأعلامهم ممن أرسوا قواعد للإبداع والتميز في ميادين اشتغالاتهم الفكرية والثقافية. وكانت الدورة الأولى لمعرض العراق الدولي للكتاب حملت اسم الشاعر «مظفر النواب» (2020)، فيما ازدانت الدورة الثانية باسم الروائي العراقي المغترب «غائب طعمة فرمان» (2021). رحل كل هؤلاء ولكنهم تركوا ما يذكّر بهم ولهم.

سيكون معرض العراق الدولي للكتاب ميداناً وقاعة درس وتفاعل بنّاء يستعيد من خلالها القارئ والباحث والطالب والمهتم حيويته ونشاطه مستفيداً من مشاركة أكثر من (300) دار نشر عراقية وعربية وأجنبية جاءت لتقدم أحدث مطبوعاتها وأكثرها حداثة وحضوراً. هذا إلى جانب اللقاءات والجلسات التي ستعقد على هامش المعرض للقاء شخصيات قرأنا لها ولكننا لم نحظ بفرصة اللقاء بها وجهاً لوجه، وهو أمر يعزز ويضيف إلى ما يتركه العمل المكتوب من أثر في ذهن وذاكرة القارئ المتابع أياً كانت هويته واهتماماته.

تمارس معارض الكتب دوراً مهماً للترويج للأعمال المنتجة من قبل كتّاب وباحثين مهمين ولكنّ كثيراً منهم لا يحظى بما يستحق من الاهتمام ولفت النظر. وقد أدركت دور النشر هذه الحقيقة منذ زمن بعيد فكان أنْ دعمت مثل هذه النشاطات مما يشهد للـ»المدى» بشرف الاهتمام به وتنميته لدعم طاقة الكاتب وهو/هي يشق طريقه وسط زحام عدد لا حصر له من الأعمال المتنافسة على قواعد الجدة والتميز والابتكار. هنيئاً لمن سيحظى بفرصة زيارة هذا المعرض المهم والتزود منه، وشكرا لجهود جيش من المشتغلين في «المدى» ممن ساهموا بإقامته واستدامته حتى يظهر بأفضل صورة من النواحي التنظيمية والإدارية والنوعية الفكرية والثقافية.

أعلى