افتتاحية الملحق: التطلّعُ إلى المثابات العالية

افتتاحية الملحق: التطلّعُ إلى المثابات العالية

  • 112
  • 2022/12/09 12:27:15 ص
  • 0

 لطفية الدليمي

القراءة فعلٌ بشري قصدي ينطوي على تَوْق وطهرانية: التوقُ إلى استكشاف عوالم جديدة لم نختبرها على المستوى العياني لأنْ لاسبيل مادياً لنا إليها؛ لذا يكون البديل المعقول هو الاستكشاف الرمزي لها عبر فعل القراءة. أما طهرانية القراءة فتنبعُ من أنك لاتسعى من ورائها إلى نيل مكافأة فورية. القراءة تكافئنا بالتأكيد؛ لكنّ مكافآتها تتجلى في متعٍ عقلية يستعصي فهمها وتقدير أهميتها من جانب كلّ من لم يختبر سحر القراءة في حياته.

القراءة واحدةٌ من الأفعال التي يتمايزُ بها العقل الفلسفي المستكشف عن العقل الباحث عن اللذة اللحظية العابرة؛ وتأسيساً على هذه المواضعة تكون القراءة - والكتاب هو القرين الشرطي لها سواء أكان ورقياً أم ألكترونياً - فعل ارتقاء حضاري يبتعد فيه المرء عن الانغماس في نطاق الحاجات البيولوجية البدائية نحو اختراق آفاق رمزية هي بعضُ علامات التثقف والرفعة الحضارية.

كلُّ من استطاب القراءة وعدّها شرطاً لازماً لمعيشه اليومي يدرك تماماً الحقيقتيْن التاليتيْن:

1 . القراءة استكشاف لانهائي لعوالم متوازية: يعيش الكائن الحي حياته خاضعاً لسلسلة من المحدوديات. هذا أحد قوانين العيش الذي لانستطيع التفلّت منها. واحدةٌ من أهمّ وظائف القراءة مدّ نطاقات قدراتنا العقلية والحسية عبر تمثّل خبرات أناسٍ آخرين؛ وبهذا الفهم تكون القراءة بمثابة عيش حيوات إضافية.

2 . القراءة ترويض للكائن الضوضائي الذي يكمن فيك: العالمُ مكان ينتجُ الضوضاء ويعيش فيها. ثمّة من يستطيب هذه الضوضاء ويجعلها إطاراً لازماً لحياته؛ لكن في الوقت ذاته هناك من يُعلي قيمة أن تخمد هذه الضوضاء الدنيوية وتتيح لعقلك حرية التفكّر الهادئ في أفكار شتى. يجب أن تبتعد عن العالم حتى يتسنى لك مراقبته ومحاكمته وعدم الوقوع أسيراً للمعتقدات الجمعية الحاكمة له. القراءة هي التي تمنحك هذه الرفاهية النفسية والاخلاقية.

* * *

تاق بورخس، أحد أعظم الرائين في عالمنا، لأن تكون الجنة مكتبة. هل ثمة من يجرؤ على مناكفة بورخس في توقه هذا؟

أعلى