افتتاحية الملحق: الثقافة طاقة الكينونة للخلاص من العنف

افتتاحية الملحق: الثقافة طاقة الكينونة للخلاص من العنف

  • 147
  • 2022/12/13 12:34:26 ص
  • 0

 ناجح المعموري

للثقافة أهمية كبرى في حياة الأفراد والجماعات، لأنها تزامنت مع لحظة وجودهم في الطبيعة، التي أنتجتها تدريجياً. والثقافة والمجتمع هي المفاهيم الاساسية في الحقل الاجتماعي وهي لا توجد الا بوجود المجتمع والمجتمع لا يقوم الا بوجود الثقافة وهي الطريق المميز للحياة الخاصة بالجماعة، والمشترك الواضح بين الثقافات وكيفية تكونها وجعلها متماثلة في عتبات النشأة والتكون والنمو،

 

لأن وجود اللغة مقترن بدرجة التحول ــــ التطور ــــ الحاصل في المجتمع / الوجود. لكن هذا لا يلغي ما تستجيب له الثقافات بسبب الصراع الذي يعيشه الافراد والاشكالات التي تبرز اعتباطا أو قصدياً. لذا لا يمكن منع الاختلافات، مثلما نذهب مع الاتفاقات. لكن صفتها مقترنة بالعنصر الآدمي. وكان رينان قد قال نقلاً عن كتاب دنس كوش بأن الثقافة الفرنسية والانكليزية والألمانية هي انسانية، ولم يؤشر الخاصية والتمثيل القومي والجغرافي لأن الثقافة تؤكد الصفة الانسانية في الجنس البشري.

للثقافة دور مهم في حياة المجتمع، لذا ضرورة الانتباه لخصائص الجماعات المتجاورة في مكان واحد تحدى قيم وطقوس وشعائر كل جماعة، وهذا التنوع في المكان يفضي للكارثة التي تتضح عبر الاختلاف والصراع وتتبدى تدريجياً عبر القوة التي تتضح عبر الاختلاف والصراع وتتبدى تدريجياً عبر القوة والسلطة والعنف. من أجل حماية الهوية والحفاظ على حدود المكان وقيم الجماعة المعنية وضرورات حمايتها من خلال التركيز على الحضور والدفاع عنها من الازاحة.

للمكان سردياته المتنوعة التي تمثل الذاكرة المتداولة بوصفها خلاصات لحكمة الآباء والأجداد، ويرتبط تداولها مع حاجات الظرف ومتطلبات التحفيز وإثارة الحماس. بالإمكان توظيف ما يساعد على هذا الرأي كتاب "انتقام الجغرافية" ونستعين بتطبيق خرائط الجغرافية ونتمثل ما هو أكثر وضوحاً ونختارها أنموذجاً للأمكنة التي تضم جماعات متعددة ومتنوعة ويتم اعتبارها صراعا للهوية والاخر. والجدل الخلافي لا يتوقف لأن الثقافات تغذيه بواسطة القيم والأفكار والطقوس والشعائر والفنون والأزياء والطعام، وتنشأ لحظة الأزمة التي تحدث عنها "ادغار موران" وقال إنها التي تعبر عن كشوف الحالة المرضية. بمعنى حياة الجماعة تمثيل للجسد المريض وقد توصلت الأزمة لما هو عليه وتشخيص العلاجات، لكن "ادغار موران" لم يصرح أكثر، بل تكتم على الأزمة وحافظ على مجازها. يستمر الاختلاف وتدخل القسوة والسلطة كما اعتبرها الاجماع والاتفاق الكلي بين الجماعات المنضوية وسط إطار ثقافي ومجتمعي ويظل الاختلاف متغذياً بالعنف المحفوظ ضمن مكونات الخزان الثقافي والذي هو ترجمة لمصطلح الهابيتوس الذي أطلقه بيير بورديو، لأن هذا الخزان أهم ما انتجه الافراد والجماعات من ثقافة منذ لحظة ادراك الحياة ومعرفة الادوار التي يقوم بها كل فرد، مندمجاً مع جماعته. ووسط هذه الاشكالات الوضعية وبروز دور أكبر للسلطة تتم ازاحة جماعة ما من الجماعات، حاملة معها موروثها وثقافتها وفنونها، وتغادر المكان، أي أن المطرود قسراً لن يتخلى عن خزانه الثقافي والممتد لعشرات وأكثر من عقود.

وهنا تنشأ ضرورات جديدة للعنف بين المطرود والمتخندق وسط المكان وتحصل الصدامات بين خزانات الذاكرة، وصعود العنف بين ثقافة الماضي وثقافة الحاضر التي دائماً ما تكون مستقبلاً لأن الموروث / الخزان الثقافي يمثل النظم المعنية بالجماعة وأبرزها العلاقات والأعراف المعززة بالحوار وهذا هو الأهم ومثل هذه النظم نتاج الأمكنة مع رموزها وتخيلاتها، التي اشرنا لها، أنها تكونات للوحدات الثقافية التي تتآزر مع بعضها الآخر وتتحول الى قوة وطاقة ومثلما قال هيغل التراكم الثقافي التدريجي والمتتالي باستمرار ليتحول الى طاقة مادية، أهم ما يميزها الفاعل الاجتماعي الذي يومئ مجازاً للعناصر الفكرية المساهمة بتكونه. لأن الثقافة تعني دراسة العلاقات القائمة بين مجالات الحياة العامة كلها، ولكن تحتاج تكونات، وصناعة الثقافة وفرة من العلامات السيميائية وشبكات الرموز. وهذه معاً تنتج مفاهيم وقيم ينفتح لها الخزان الثقافي، وتعيش وسط الداخل والخارج، بمعنى يميزها فاعل تتعايش به ومعه الافراد والجماعات. وأمام الديمومة تبرز سيرورة الكمال الانساني في ضوء القيم السائدة.

 

أعلى