لماذا نقرأ الأدب؟

لماذا نقرأ الأدب؟

  • 28
  • 2024/02/21 10:03:04 م
  • 0

حيدر المحسن

- 7 -

ما زال القرطاس والقلم بين يديّ فإن النهار والليل في اليوم لا يكفيان من أجل أن يسدّا خاطر هذا، ويملآ عين الآخر.

أنت مسكون بغريزة الكتابة، ومن أجل أن تكتب فيجب أن تقرأ، وتسرق الساعة من هنا وهناك في سبيل تحقيق ذلك، ولهذا تجدنا نرتحل ونحن نطالع، وكذلك حين نأكل ونشرب ونتنزّه وننام ونقعد. من حياة إميلي برونتي أنقل لكم هذا المشهد من كتاب سيرتها بقلم إليزابيث غاسكل: "كانت تستيقظ صباحا قبل الجميع وتقوم بأعمال المنزل الشاقة قبل نزول تابي، الخادمة المسنة والمتعبة، من غرفتها. كانت تكوي وتطهو. تصنع الخبز، وكان خبزها جيدا. وأثناء عجنها للعجين كانت تختلس نظرة من الكتاب المفتوح أمامها. وتتذكّر أولئك الفتيات، اللواتي كانت تدعوهن لمساعدتها في أعمال المطبخ، كيف كانت تحتفظ بقصاصة من الورق وبقلم إلى جانبها، وحين تأتي اللحظة التي تمكنها من التوقف عن الكيّ أو الطهو كانت تدون بسرعة بعض الأفكار الملحة ثم تتابع عملها". التعبير المناسب أن لإميلي برونتي نشاطا أكّالا، وهو ما يجب توفّره لدى المرء ليكون فنّانا...

*

الحياة عظيمة لأن فيها بقع معتمة وسعيد الحظّ من يتمكّن من إلقاء الضوء عليها. الحياة جميلة لأن فيها هذا المخلوق الساحر: المرأة، وهي الأخرى تمتلك نقاط غامضة، في كلّ واحدة منها يكمن سرّ الكون. هل كان كلامي غامضا؟ يتحتّم عليّ من أجل توضيحه تقديم هذا الشرح:

ليس الأدب إشارات أو تزويقات وحُليّا، بل هو صور الأشياء والافعال، وكذلك الصفات والمشاعر على الورق. أقدم مكتبة لاهوتيّة قام بتأسيسها القديس كليمنت الأول عام 92 ميلاديّة، وكانت تضمّ أربعمئة ألف مجلّد. يقول بورخيس: "الله حرف من الحروف في إحدى صفحات مجلّدات المكتبة الكليمنتيّة". نحن نقرأ الأدب لأن في إحدى كتبه حرف مشابه وفيه نرى صورة الله.

نحن نقرأ الأدب كي نجد ظلالنا مرسومة على الورق، أو ظلال مدينتنا، أو العالم، أو الكون، وهذا تعريفٌ بسيط لفعل القراءة. إنها لمعجزة حقّا أننا نستطيع اختصار العالم في كتاب، أو في صفحة، أو كلمة، أو حرف. ألهذا السبب نزلت بعض الآيات القرآنيّة بحروف مجرّدة، في المستهلّ؟ الله أعلم...

أيّها الحيّ، أيّها الذي لا يُفارق، أيها الضوء الذي لا توصف روعته، أيّها الأبد: نبتهل إليكَ أن تصوّرنا في حرف جديد، برداء إيقاعيّ مُحدَث، من بريق كلمتك الأولى المبجّلة، والذي يعشي البصر: "إقرأ".

أعلى